أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات قطاع غزة

إذا كانت المخيمات شاهدا قائما على ما حاق بالفلسطينيين، من اقتلاع، وتشريد، فإنها في الوقت نفسه، تمثل رمزا لمعاناتهم اليومية، ونتاجا للظلم الذي لحق بهم، وهي إلى كل ذلك تمثل بؤرة الثورة، وساحة الصدام اليومية ، ليس بمعنى الدفاع عن المكان، فحسب، بل بمعنى الدفاع عن استمراره وبقائه، بما هما (الاستمرار والبقاء). يقودان إلى التحرر والانعتاق، والى استعادة الأرض السليبة، وامتلاك الهوية، ولذلك ليس غريبا أن تخوض المخيمات منذ وجدت معركة بقائها، إذ أن تصفيتها هي الخطوة الأولى في تصفية القضية الفلسطينية ككل وحسم الصراع لصالح المغتصب.
وإذا كان ذلك لا ينطبق على المخيمات عموما فانه في مخيمات قطاع غزة الثمانية يتجلى في أوضح صوره. فهنا كتلة كبيرة جدا من اللاجئين على مساحة محدودة في المكان والإمكانيات، استحوذت على مكانة مميزة في مجرى الصراع، كساحة اشتباك يومي مع المحتل الغاصب وساحة اشتباك يومي مع ظروف المعاناة القاسية.

نشأة مخيمات قطاع غزة:
استقبل القطاع جزءا كبيرا من النازحين “اللاجئين” الذين توزعوا في مختلف مدن وقرى القطاع، في المساجد والمدارس والكنائس، أو لدى المعارف والأقارب، وفي ثكنات سابقة للجيش البريطاني (البريج). وحتى في الأرض الفضاء (العراء) إلى أن عملت جمعية الأصدقاء الأمريكية (الكويكرز) على إنشاء المخيمات في مناطق تواجدها الآن وأعطيت أسماء المدن المجاورة لها، وقد قامت الجمعية المذكورة بتوزيع الخيام على اللاجئين، واستمرت في الإشراف على مخيماتهم حتى تشكيل وكالة الغوث الدولية، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم( 302) الصادر في 6 كانون الأول/ عام 1949م. وباشرت الوكالة عملها رسميا في أيار “1950” كما سلف في موضع آخر، وعرفت اللاجئ الذي ستقدم إليه المساعدة على انه “الشخص الذي كان موطنه الأصلي فلسطين لسنتين على الأقل قبل حرب عام 1948. والذي نتيجة لهذه الحرب فقد بيته ووسائل معيشته، واصبح لاجئا عام 1948 . في أحد الأقطار التي تمنح فيها وكالة الغوث الدولية مساعدتها وأعانتها.

ومع بدء الوكالة أعمالها، كان اللاجئون يقيمون في الخيام التي وزعتها جمعية الكويكرز، وشهد القطاع عام 1950 شتاء قارصا عاصفا لم تصمد أمامه الخيام. فاقتلعتها الرياح تاركة سكانها بلا مأوى. وعندها رأت الوكالة عدم جدوى استخدام الخيام، ورأت ضرورة إسكان اللاجئين في بيوت مبنية من الطوب والحجر بدل الخيام، ونظرا لأنها لم تكن بيوتا أو منازل بالمعنى الدقيق للكلمة فقد أطلق عليها اسم “مأوى” وزودت الوكالة اللاجئين بالغرف أو المواد اللازمة لاقامتها حسب حجم كل أسرة وحاجتها في ذلك الوقت، وقد كانت المساحة المعطاة لكل أسرة تقدر بحوالي (150م2)، منها (110م2) على شكل غرف وأسوار بنيت حول الغرف وتضم الغرف داخلها مساحة فارغة لوضع ممتلكات الأسرة وحاجتها (حوش)(114). وقد بنت وكالة الغوث في ذلك الحين حوالي “48 ألف” مأوى في ثمانية مخيمات ومع زيادة عدد ا فراد اسر اللاجئين، والذي استدعى مساحة اكبر للمعيشة، ساعدت الوكالة في بناء 5835 غرفة إضافية في بيوت اللاجئين وداخل المساحة المقررة، والتي لا تزيد عن 150م2، في المواقع الثمانية التي أطلق عليها اسم “مخيمات اللاجئين”.

قطاع غزة:
هو الشريط الساحلي من فلسطين التاريخية، الذي بقي في يد القوات المصرية وحتى توقيع اتفاقية الهدنة بين العرب وإسرائيل التي . عرفت باتفاقية “رودس” وقد أطلق على قطاع غزة آنذاك اسم، المناطق الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات المصرية،و عدل فيما بعد فصار ما هو عليه الآن (115).
ولقد قدر لهذا الشريط الضيق المحصور ما بين البحر، والأراضي المحتلة عام 1948، وضعيف الموارد والإمكانيات، أن يستوعب جزء رئيسيا من الفلسطينيين الذين اقتلعوا من ديارهم ووطنهم المحتل، فقد هاجر إلى القطاع الجزء الأكبر من أهالي قطاع غزة، وقضاء بئر السبع، وقضائي يافا والرملة ، والاقضية الأخرى. ولم تكن إمكانيات القطاع المحدودة، ولا زالت كذلك ، لتستوعب هذه الأعداد الضخمة، ولتتوضح صورة الأوضاع بشكل افضل، ويستقيم الحديث عن المخيمات، لا بد من الإطالة في شرح الأوضاع التي يكابدها ويعانيها ابناء المخيمات، ذلك انه بالقدر الذي تبدو فيه معركة المخيمات في مواجهة الاحتلال وحملاته لاقتلاع وتصفية المخيمات، مشرفة و مشرقة في آن واحد، إلا أن المسالة لها جوانبها الأخرى، فهناك معاناة من طبيعة أخرى للمخيمات في قطاع غزة، فعلى الرغم من الارتباط والتشابك بين المعارك جميعها، هناك معاناة من الظروف الصعبة مثل المعاناة من الأوضاع السكنية والمعيشية، والاقتصادية، والصحية، والعمل… الخ. سنحاول هنا، ملامسة هذه الجوانب بالقدر المتيسر، والمتاح لنا.

الأوضاع السكانية:
على اثر نكبة عام 1948م، وصل متشردا، ومهجرا ما يقارب من (200-250) ألف فلسطيني من أراضيهم الأصلية إلى قطاع غزة، لينضموا إلى جانب السكان الأصليين البالغ عددهم آنذاك حوالي (80) ألف نسمة، مما أدى إلى اكتظاظ سكاني شديد في هذه المنطقة الضيقة التي يبلغ طولها نحو (40 كم)وعرضها من (6-12كم). ورغم عمليات التهجير، ونزوح عام 1967 بعد احتلال قطاع غزة، وسياسة القمع والبطش العسكري الإسرائيلي ومجمل ممارساته: سواء النفي، الأبعاد، أو الطرد وغيرها من ممارسات، فقد تزايد عدد اللاجئين “باطراد” تزايدا طبيعيا داخل وخارج المخيمات خلال هذه السنوات الطويلة ليصل مثلا حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني، عام 1992م (716.200) ليرتفع عام 1993م إلى 748.000 عدد السكان عموما، وقدر مرة أخرى عام 1995 وحسب نفس المصدر بحوالي (905) ألف نسمة، ويرتفع أيضا عام 1996 إلى حوالي (963.062) ألف نسمة وقد بلغت التقديرات لعام 1998م بحوالي (1.004.498) منهم حوالي (766.124) ألف لاجئ مسجل وقدروا مرة أخرى في منتصف عام 2000م بحوالي (1.138.498) نسمة في قطاع غزة، ويقدر عدد اللاجئين بينهم بحوالي (824.622) ألف لاجئ، ومنهم حوالي (451.86) ألف لاجئ يقيمون داخل مخيمات اللاجئين الثمانية في القطاع(116)، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هامش الخطأ في التقديرات وإحصاءات الواردة بالنسبة لمخيمات القطاع، والتعداد العام محدود، إذا افترضنا وجوده، فليس علينا إضافة الكثير إلى الأرقام المعطاة حول تعداد السكان، وهذا يعني أن ما نسبته حوالي 50-55% من لاجئ القطاع يسكنون داخل المخيمات، وتبقى هذه النسبة مهمة إذا أخذنا بعين الاعتبار ظروف الخنق والمحاصرة التي تتعرض إليها المخيمات من ناحية درجة الاكتظاظ العالية في داخلها مع ضعف الخدمات، وعلميا، فانه لا توجد نسبة محسوبة لكثافة السكان في كل مخيم، ولكن الكثافة العامة للسكان في قطاع غزة تبلغ حوالي 1800 نسبة للكيلومتر الواحد، وهذه واحدة من أعلى النسب في العالم.

       ومن الناحية الإجرائية، فان المخيمات تستوعب نسبة غير قليلة من التعداد الإجمالي للسكان في القطاع وتبلغ معدلات النمو الطبيعي 3.5% سنويا، الزيادة كما سلف نتيجة عن معدل النمو الطبيعي مع استثناء بسيط جدا، نتج جزئيا عن عودة اللاجئين الذين كانوا يعملون مع السلطة عند قدومها خلال سنوات 1994-1995م، وبالنظر إلى التوزيع العمري لسكان المخيمات، نجد أنها تمتاز بفتوة شبابية.

الظروف المعيشية: تعاني مخيمات قطاع غزة من التضخم الهائل في عدد السكان، ففي الأيام الحالية، ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكان القطاع هم من اللاجئين، وقد تضاعف عدد السكان واللاجئين منذ عام 1950م، ولم يعد بالإمكان توسيع مساحة المخيمات، فعلى سبيل المثال فان سكان مخيم الشاطئ يتمركزون في مساحة طبيعية جدا حوالي 0.747كم2، وفي مخيم جباليا الذي يقارب من 100 ألف نسمة في مساحة 1.403 كم2، ومعظم العائلات لا زالت تعيش في بيوت صغيرة مكونة الغالب من غرفة واحدة أو غرفتين أو نشأت بواسطة الانروا منذ عام 1950م، وهي أن طرأ عليها بعض التغيير الطفيف، في الغالب تأوي من 9-12 فردا، أما الأثاث فهو في الغالب معدوم ويقتصر على بعض ألأفرشة الأرضية والأغطية وأدوات المطبخ ومعظم منازل المخيمات قديمة وآيلة للسقوط، علاوة على الظروف الغير صحية أو الملائمة للعيش من الرطوبة وقلت التهوية، كما أن أدوات الصرف الصحي قليلة ومعظم البيوت لا تحوي مرافق صحية جيدة أو حمام وفي بعض الأحيان دورات مياه مشتركة، كما أن هذه البيوت لا توفر الحماية الكافية سواء من الحر في الصيف أو برد الشتاء مما يزيد من مخاطر الأمراض, وقد ساهمت الانروا في تأهيل عدد من المنازل في قطاع غزة في الفترة ما بين 98-1999م.
وفي الماضي كان البناء متعدد الأدوات ممنوعا منعا باتا من قبل السلطات الإسرائيلية وذلك لاسباب أمنية ليتمكن الجنود الإسرائيليين من السيطرة على المخيم والسكان بالإضافة إلى هدم المنازل السكنية بحجج وذرائع أمنية، وهي سياسة قديمة جديدة ويتجلى ذلك بوضوح في الأحداث الجارية “انتفاضة الأقصى (2001/2002) .
فلا زالت تواصل حكومة إسرائيل تنفيذ مخططها العنصري بهدف خلق واقع ديمغرافي جديد ومشوه، وتمثل سياسة هدم المنازل السكنية الفلسطينية أداة رئيسية من أدوات قوات الاحتلال التي تبرر فيها جرائمها بحق البيوت الفلسطينية بدعوى  عدم الترخيص، أو لأسباب أمنية ، وقد بلغ عدد المنازل التي دمرت حتى 31/ديسمبر 2001 نحو 7130 منزلا ومقرا حكوميا ومنشاة خاصة منها حوالي (1154) منزلا تضررت كليا، ومنها أيضا حوالي 500 منزل في قطاع غزة عام 2001.

       بالطبع، فان سياسة منع البناء العامودي داخل المخيمات، لم تعد قائمة منذ سنوات قبل دخول السلطة الوطنية. وعلى الرغم من ذلك فان غالبية الناس لا يملكون إمكانيات مالية للبناء هذا، والقادرون الوحيدون على البناء هم أما من حصل على المال من خارج القطاع (إسرائيل ودول الخليج) أو أولئك الذين يشغلون مناصب هامة ويتقاضون رواتب مرتفعة، وبعض الموظفين ، وهذا ما يجعلنا نرى العديد من البيوت الحديثة تنشا خارج نطاق المخيمات، وذلك لحل مشكلة الاكتظاظ داخلها، ولكن معظم هذه المنازل لا زالت فارغة وذلك لان الإيجار مرتفع مقارنة بدخل الفرد والأحوال الاقتصادية، وندرة فرص العمل، وتردي الأحوال نظرا للظروف السياسية الراهنة، ورغم نشوء بعض الأبراج العمرانية، من خلال المشاريع المتعددة الحكومية، والمدن والمنشات المتبرع بها من قبل دول الخليج كمساعدات للتغلب على هذه الأوضاع الصعبة.

الأوضاع التعليمية:
اتجه أبناء المخيمات نحو التعليم بكثافة، وتشهد الأرقام المتوفرة على هذا الاتجاه، الذي بدا سياقه المعتاد بالارتفاع عاما وراء عام، وان تعرض لاختلال نسبي أحيانا، ويمكننا إعادة ذلك إلى الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي منعت البعض من الاتجاه إلى الدراسة، أو مغادرة مرحلة التعليم مبكرا، وإذا كانت معدلات الالتحاق بالمدرسة، ومتابعة الدراسة لا زالت مطمئنة نسبيا، إلا أن ذلك لا يعني الركون إليها، وانما يتوجب البحث الجاد في ضرورة إيجاد الوسائل اللازمة لمنع التسرب من المدارس خاصة في المراحل الأولى. واقع الحال أن الوكالة تشرف على التعليم الابتدائي والإعدادي للاجئين في المخيمات وخارجها، فيما يتابع بعض أبناء اللاجئين دراستهم الإعدادية في المدارس الرسمية، والتعليم الثانوي مقتصر على المدارس الرسمية، ذلك أن الوكالة لا تغطي هذه المرحلة من التعليم.

       وتشغل الانروا حوالي 168 مدرسة ابتدائية وإعدادية في قطاع غزة، وهو العدد الأكبر الثاني بعد ا لأردن، وتوفر فرص التعليم لحوالي 60.000 طالب وطالبة(117). والأخذ بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية لاعداد الطلبة فما زالت هناك حاجة ماسة لبناء المزيد من المدارس رغم عدم وجود الدعم المالي لذلك.
ونتيجة للزيادة المضطردة من تزايد عدد التلاميذ،  فقد زادت حدة الاكتظاظ في مدارس الانروا في القطاع، حيث بلغ معدل عدد التلاميذ، في الصف الواحد خلال السنوات1994/1995م من 47-50 تلميذا، وهي أعلى نسبة من نوعها في الأقاليم الخمسة لعمليات الانروا. وكانت مدارس عديدة تشغل أبنية من الأسمنت والأجر، يعود تاريخها إلى سنوات الخمسينات والستينات، وكانت قد أنشئت أصلا كأبنية مؤقتة. واضطرت عدد من المدارس للعمل بنظام الفترات الثلاثة، بعد أن أصبحت أبنية مدرسية أخرى غير آمنة وتوجب إخلاؤها لاعادة التأهيل.
والأولوية العليا التي أعطتها الانروا لتحسين الأوضاع في مدارسها، كانت موضع مشاركة من البلدان المتبرعة، التي قدمت بعض الأموال عام 1995م من خلال برنامج تطبيق السلام لتوسيع وتطوير البنية الأساسية التعليمية ومشاريع أخرى لدى الانروا في غزة. وقد تم إنشاء عدد من المداس الجديدة، وتحديث عدد من الغرف الدراسية المتخصصة، والصفوف الدراسية.

       هذا إذا علمنا أن عدد المدارس التي تعرضت للأضرار والإجراءات الإسرائيلية في الوضع الراهن، فقد تم إغلاق عدد 6 مدارس بأوامر عسكرية، وتعرضت حوالي 137 مدرسة إلى القصف الإسرائيلي بالرشاشات الثقيلة والقذائف الصاروخية، وتم تعطيل الدراسة في اكثر من 150 مدرسة جراء العدوان الإسرائيلي على المناطق، وتحولت في لحظات معينة عدد من المدارس إلى ثكنات عسكرية حوالي 7 مدارس، وقد سقط المئات من بين الطلاب بين شهيد وجريح وعدة آلاف من المعاقين والمصابين من الهجمة الإسرائيلية الشرسة على المناطق.
بالإضافة إلى إجراء صيانة وتأهيل شامل لعدد من المدارس واقامة عدد من الملاعب في مواقع مختلفة.
وتم توفير التدريب المهني والتقني لعدة مئات من المتدربين والمتدربات في مركز غزة للتدريب وقد وفر عدد من الدورات التدريبية المهنية ومدتها سنتين، في أشغال الكهرباء، والبناء، والميكانيكا، إضافة إلى دورات شبه فنية، مدتها سنتين في العلاج الطبيعي والإلكترونيات الصناعية، والأعمال التجارية والمكتبية، والترتيبات مستمرة لعقد دورات جديدة مستحدثة في الرسم المعماري، والفندقة والإيواء، ومراقبة الأبنية وغيرها بما يلبي الحاجة المحلية المتنامية للعمال المهرة في قطاع البناء، كما وينظم المركز دورات مهنية مدتها حوالي 12 أسبوعا في صناعة الألمونيوم، وأعمال الجبص وتشكيل الأسمنت، والسمكرة. وقد اثر الإغلاق والإضرابات ومنع التنقل بين الضفة وغزة، على الطلاب المتدربين حيث واجه المتدربين الوافدين  صعوبات كبرى في الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية بمراكز التدريب التابعة للاونروا في الضفة، ولطالما أفاد طلاب غزة من مرافق التدريب في الضفة، لان عدد من أماكن التدريب في مركز غزة للتدريب غير كاف لتلبية الحاجة المحلية.

       واستوعب برنامج الوكالة للتدريب أثناء الخدمة عدد من المعلمين ومدراء المدارس وموجهين تربويين ومدربين حوالي 162 موظفا، هدفت هذه الدورات الارتقاء بمؤهلات المشتركين، و مساعدتهم في تطبيق التغييرات المنهجية وتحسين طرائقهم التعليمية وتعزيز مهاراتهم في الإدارة التربوية، وقدمت أيضا بعضا من المنح الجامعية لحوالي 220 طالبا لاجئا فلسطينيا بينهم 102 طالبة، كانوا قد تفوقوا في الامتحانات العامة للمرحلة الثانوية.
ولكن هناك عدد من الكادر التعليمي في المدارس هم من الموظفين بعقود (بطالة) تنتهي بانتهاء الفصل الدراسي وتجدد بابتداء السنة الدراسية التالية، حيث لم تستطع الوكالة توظيف طاقم إضافي منذ العام 1995م لتلبية الحاجة الناتجة عن تزايد عدد الطلاب المستمر سنة تلو الأخرى.

الأوضاع الصحية:
ليس ثمة شك في سوء الأوضاع الصحية للمخيمات الفلسطينية حيث تزداد الاوضاع سوءا يوما بعد يوم نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة الى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية، من جهه اخرى وتساهم الحالة العامة للمخيمات الفلسطينية بشكل مباشر في تردي الوضع الصحي عند اللاجئين حيث الازقة الضيقة  والمياه العادمة التي تمر بين الطرقات يعبث بها الاطفال ما يسبب انتشار الامراض والاوبئة التي تنتقل بين السكان عن طريق المخالطة .
معروف أن الإشراف على الأوضاع الصحية في المخيمات تتحمل الجزء الأكبر والأساسي منه الانروا، وكما تعرضت الخدمات الأخرى إلى التقليص، فان هذا التقليص قد طال الخدمات الصحية أيضا.
فلا تلبي الوكالة كل ما يتعلق بحاجات اللاجئين على هذا الصعيد. وفي واقع الحال تمتلك الوكالة شبكة تضم اكثر من 18 مركزا أو عيادة صحية، توفر الرعاية الطبية الشاملة، بما فيها رعاية الأم والطفل.
وفي كل مخيم من مخيمات القطاع تمتلك الوكالة عيادة/ مركز صحي، ما عدا مخيم الشاطئ، الذي يتلقى سكانه الخدمات الطبية من عيادتين تابعتين للوكالة في مدينة غزة وكانت تشرف الوكالة أيضا مع سلطات الاحتلال، على مستشفى الأمراض الصدرية في مخيم البريج الذي تحول فيما بعد إلى مدرسة ثانوية تابعة للسلطة.
لقد قدمت الانروا خدمات الرعاية الصحية الأولية لمجموع اللاجئين في القطاع من خلال مراكزها وعيادتها المنتشرة في القطاع، ومن بين هذه المرافق، قدم 14 مرفقا خدمات تنظيم الأسرة، وعدد 11 مرفقا اشتملت على مختبرات، والرعاية بالأسنان، ورعاية خاصة لمكافحة أمراض ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب، والأمراض النسائية، والقبالة، وطب العيون وطب الأطفال، بالإضافة إلى عيادات للعلاج الطبيعي، بالإضافة إلى عدد من الوحدات للرعاية بالأمومة والطفولة تحتوي على ما مجموعه 60 سريرا، وتقدم خدمات الاستشفاء خلال ترتيب تعاقدي مع مستشفى غير حكومي فقد حجز 50 سريرا لمعالجة اللاجئين، أو عبر مساعدات مالية لتغطية نفقات علاجية في مستشفيات القطاع العام.
ونظرا للتزايد المستمر والطلب الملح على خدمات الانروا، ورغم التحسينات والتطويرات الكبرى في توسيع مرافق الرعاية الأولية، فقد استمرت مبقية على الترتيب الخاص بتشغيل العيادات فترة مسائية في معظم مرافقها، وهو ترتيب بدا كإجراء مؤقت عام 1992م. لمواجهة عبئ العمل على الموظفين والحاجة لذلك. فقد كان لإغلاق قطاع غزة اثر سلبي على الخدمات المتوفرة للاجئين فقد منع  وصول الحالات إلى المؤسسات الصحية الموجودة في أماكن أخرى، والتي تقدم خدمات صحية غير متوفرة حاليا.

       إن الانروا بما لديها من بنية أساسية راسخة موظفين مدربين بشكل جيد وخبرة طويلة في تقديم الرعاية الصحية وتنفيذ المشاريع، ملتزمة بهدف إقامة نظام موحد للرعاية في المناطق، بالوسائل المتاحة لها، ولبلوغ هذا الهدف، عملت الانروا على إقامة علاقة وثيقة مع السلطة الفلسطينية، التي تولت المسئولية عن نظام الرعاية الصحية والعامة في القطاع في أيار/ مايو 1994، كما في الضفة الغربية، وعملت الوكالة أيضا على تطوير وتوسيع بناها الأساسية لمرافق الرعاية الصحية، وإعداد برنامج يستهدف في النهاية إقامة نظام دائم وذي جدوى للرعاية الصحية.

       لقد أسهمت الانروا في إجراء استطلاع شامل لمرافق الرعاية الصحية الأولية، التي تديرها السلطة الوطنية، يهدف إلى تحديد احتياجاتها من التطوير والترميم، وقدمت الدعم اللوجستي لتسهيل عمل موظفي منظمة الصحة العالمية ومستشاريها الذين يزورون المناطق “القطاع” لتقييم الاحتياجات، ومساعدة السلطة في إعداد برنامجها الصحي الوطني، وبفضل تبرعات خاصة، مدت الوكالة تجهيزات طبية لتطوير مستشفى الشفاء الذي تديره السلطة واشترت مواد طبية بمبالغ أخرى لمرافق مختلفة في قطاع غزة، وساهمت كذلك في التخليص الجمركي لشحنات متعددة من التجهيزات والمواد الطبية المقدمة كتبرعات عينية للسلطة.
وفي إطار مشروع خاص، تواصل الوكالة تقديم الخدمات الصحية للمدارس التي أصبحت تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، بقصد تحقيق التناغم فيما بين تلك الخدمات، وهناك طواقم  للصحة المدرسة، تقوم بإجراء الفحوصات وتطعيم الأطفال في مدارس السلطة.

       وقد شملت التحسينات في البنية الأساسية للنظام الصحي، بناء وتجهيز مراكز صحية إضافية في مخيم الشاطئ وتل السلطان، وبناء عيادة جديدة لرعاية صحة الام والطفل في منطقة الفاخورة وعيادة طب الأسنان في مخيم المغازي، وقد تم إنجاز أعمال الترميم والتطوير للمراكز الصحية في رفح وخان يونس.
وافتتحت كلية التمريض التابعة للوكالة في غزة/ سبتمبر 1994م، بعد إجراء ترميم شامل لها وتطوير تجهيزاتها، والمهمة المركزية لهذه الكلية هي برنامج تعليم التمريض للنساء مدته ثلاث سنوات، التحق بها ما يزيد على خمسون طالبة عام 94-1995م، إضافة إلى عدد الطالبات التي انهين فيه برنامج تعليم القبالة لمدة عامين، بالإضافة إلى افتتاح مشروع، أو استحداث الكلية بالارتباط مع جامعة بيت لحم على برنامج بدوام جزئي يمنح شهادة معتمدة لمدربين ومشرفين طبيين، علاوة على تطوير برنامج الكلية، والإعداد لبناء كلية جديدة للتمريض والعلوم الصحية  تكون في النهاية ملحقة بمستشفى الشفاء.
وقد أنهت الوكالة بناء مستشفى عام يضم 232 سريرا في قطاع غزة ما بين مدينة رفح وخانيونس على الطريق الشرقي، بتبرع سخي من الاتحاد الأوروبي، وقد تم الانتهاء منه وتشغيله فعليا، حيث مثل إضافة هامة إلى البنى الأساسية الصحية الفلسطينية.

       وتم تحقيق تقدم ملحوظ في البرنامج الخاص بالصحة البيئية في القطاع، في إطار التخطيط للتنمية الدائمة في مجال الصحة البيئية، أدى إلى تحديد المشاريع، وإتمام دراسات الجدوى ، وتطوير التصاميم التقنية المفصلة، وإعداد تقديرات التكاليف، وتامين التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع واسعة، لتحسين شبكات المجاري، والصرف الصحي، والتخلص من النفايات في المخيمات والبلديات المجاورة، وتمويل برنامج تطبيق السلام، أتاح للاونروا تنفيذ مشاريع كبرى للصحة البيئية في مناطق قطاع غزة، والضفة الغربية وتحسين البنى الأساسية.
وقد بدأ المشروع فعلا في تنفيذ تصاميم أولية لشبكات المجاري والصرف الصحي لمخيمات الشاطئ وجباليا، ورفح، والمناطق المجاورة، بعض الأجزاء من النصيرات، والبريج والمغازي والمنطقة الوسطى عموما، وفي دير البلح. ولدعم مشروع تصريف النفايات الصلبة في مخيمات القطاع اشترت الوكالة عدد من المركبات”شاحنات” لجمع النفايات، وعدد من الجرارات وغيره من المعدات الضرورية، وقامت بتطوير مكبات النفايات التابعة للبلدية، وحملات لإزالة أنقاض السيارات والابنية “الركام” الموجودة في عدة مخيمات.
وفي جميع مبادراتها للصحة البيئية، سعت الوكالة إلى التخطيط لتنفيذ المشاريع بالتنسيق الوثيق مع البلديات والسلطة الوطنية، والتنسيق ضروري لان المخيمات والبلديات تواجه المشاكل نفسها.

       لقد شهدت الأراضي الفلسطينية عموما تطورا ملحوظا في الخدمات الصحية المقدمة منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، وقد شمل هذا التطور تحسن الأداء بصورة عامة لوزارة الصحة، وامتد ليشمل القطاع الصحي في وكالة الغوث، والخدمات الصحية في الخدمات الطبية العسكرية والمؤسسات الأهلية العاملة في هذا المجال. فحتى عام 2000 ارتفع عدد مراكز الرعاية الأولية التابع لوزارة الصحة الي 51 مركزا، كذلك زاد عدد المراكز التابعة للوكالة إلى 18 مركزا، كذلك ارتفع عدد المراكز الصحية التابعة للخدمات الطبية العسكرية من مركز واحد في عام 1994 إلى 50 مركزا طبيا عام 2000، وقد بلغ عدد مراكز الرعاية التابعة للمؤسسات الأهلية حوالي 170 مركزا إضافة لعدد كبير من المراكز الصحية والعيادات الخاصة التي تقدم خدماتها للمواطنين مقابل اجر مادي وقد بلغ عددها في محافظات القطاع نحو 566 عيادة.

       بخصوص المستشفيات والرعاية الأولية، التابعة لوزارة الصحة في السلطة الوطنية، فقد بلغ عددها حوالي 14 مستشفي، منها خمسة في محافظات غزة، والباقي في الضفة الغربية، واصبح للخدمات الطبية العسكرية عدد 3 مستشفيات، واحدة في قطاع غزة واثنتان في الضفة، هذا إلى جانب 24 مستشفى تشرف عليها المؤسسات الأهلية ومستشفى واحد تابع للاونروا وحوالي 19 مستشفى للقطاع الخاص. وعليه فقد بلغ عدد المستشفيات حتى عام 2000 (61) مستشفى وقدر عدد الأسرة بها حوالي (2.436) سريرا، منها حوالي (829) في غزة، والباقي في الضفة الغربية، تخدم هذه الأسرة مجموع الفلسطينيين في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يعد هذا كافيا لتغطية حاجات السكان وما يجب أن يكون عليه هو 3 أضعاف هذا العدد من الأسرة والخدمات.

       وقد بلغ عدد العاملين في المستشفيات الحكومية حوالي 505 طبيبا منهم 265 طبيبا في غزة، والباقي في الضفة الغربية، وعدد الأطباء العاملين في المؤسسات الأهلية حوالي 333 طبيب منهم حوالي 156 في محافظات غزة، و177 في الضفة الغربية، ويعمل في مستشفيات الوكالة 161 طبيبا بواقع 95 طبيب في قطاع غزة، وعدد 71 في الضفة الغربية.

       اندلاع أحداث الانتفاضة “انتفاضة الأقصى” شكل تحديا حقيقيا لجميع المؤسسات الصحية الفلسطينية من حكومية وأهلية وسواها من المؤسسات، تتمثل في الأعداد الضخمة المتزايدة من الشهداء والجرحى والمصابين، والمعاقين /ذوي الحاجات الخاصة الذين يحتاجون لمؤسسات صحية ذات جاهزية عالية جدا للتعامل مع هذه الحالات والأحوال الطارئة، في حين نجد أن هذه المؤسسات تحتاج إلى زيادة في قدرتها وطاقتها الاستيعابية، وأطقمها الفنية بغية تقديم خدمات على نحو يتلائم والمستجدات بصورة فاعلة.
ومنذ اندلاع الانتفاضة في أكتوبر عام 2000 وحتى السنة الأولى لها استشهد ما يزيد على 600 مواطنا، وأصيب على ما يربو (26258) ألف مواطن، بينهم 4000 إعاقة، من بينهم حوالي 437 طفل(118)، معظم إصاباتهم في أجزاء حيوية، كالرأس، الصدر، الرقبة، الحوض، البطن، والأطراف العلوية عامة بما يصل إلى 40% من إجمالي الإصابات. والباقي هو إصابات من اثر استنشاق الغازات السامة وغيره.

       بعد تصعيد الهجمة العدوانية الشرسة، وتزايد أعداد الجرحى والشهداء والمصابين، أعلنت حالة التأهب والطوارئ القصوى في وزارة الصحة وباقي المؤسسات الصحية الأخرى في محاولة لتلبية احتياجات المواطنين، أسرعت الوزارة بافتتاح مستشفيات جديدة كانت في الأصل جاهزة، منها 4 مستشفيات في قطاع غزة وهي مستشفى محمد الدرة للأطفال في غزة، يحتوى على 50 سريرا، ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح أيضا بسعة 50 سريرا، وغرفة عمليات ومستشفى القدس 60 سرير وغرفة عمليات في غزة، ومستشفى محمد النجار في رفح بسعة 60 سرير، كذلك عدد 3 مستشفيات في الضفة وهي: مستشفى زعترة بسعة 30 سرير، ومستشفى قلقيلية 60 سرير وغرفة عمليات، والأخير مستشفى سلفيت بسعة 60 سرير وغرفة علميات. وأضيف عدد 600 سرير جراحة، و50 سرير عناية فائقة وعشرات غرف العمليات(119).

       وقد رفعت الوزارة جاهزية حوالي 250 مركزا للرعاية الأولية لتقديم الإسعافات الأولية اللازمة للمصابين، وتم تزويد عدد منها بأجهزة الأشعة ، وعقاقير ومهمات طبية، وتشغيل عدد من العاملين، وتزويد المراكز بعدد من سيارات الإسعاف تعمل على مدار الساعة. وقد تم تحويل بعض المراكز إلى مستشفيات ميدانية مثل مركز بيت حانون، ودير البلح، والقرارة في المنطقة الوسطى، وخانيونس ومركز شهداء رفح، وأضيف حوالي 250 عامل في هذه المراكز.

       وخلال أحداث الانتفاضة برز الدور الكبير للمؤسسات الأهلية العاملة في القطاع الصحي، ويعد دورها مكملا للدور الذي تقوم به وزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية، فقد عملت على نقل المصابين من أماكن الأحداث والصدامات واستقبلتهم وقدمت ما تستطيع لهم دون مقابل، وكان من أبرزها: مستشفى “العودة” استقبل ما يزيد عن ألف جريح، ومستشفى “الوفاء” الطبي الذي يقدم خدمات إعادة تأهيل المصابين، ومستشفى “دار السلام” بخانيونس، والمستشفى الأهلي في الخليل، كذلك مستشفى “الضمان” في بيت لحم والمطلع في القدس.
وقد ساهمت الطواقم الطبية، وطواقم الإسعاف العاملة بها، في إنقاذ وإسعاف عشرات بل مئات الجرحى، وقد تعرضت سياراتها ومسعفيها للإصابة، وقد سقط شهيدان من سائقي الإسعافات، وأصيب اكثر من مائة شخص من العاملين والممرضين…الخ.
ومن أهم هذه المؤسسات أيضا: الهلال الأحمر الفلسطيني، والإغاثة الطبية، واتحاد لجان العمل الصحي، وقد أقامت مستشفيات ميدانية لعلاج الجرحى، وقدمت بعض منها دورات تدريبية في مجال الإسعاف الأولى، وكيفية التعامل مع الجرحى.
ونشطت جمعية بنك الدم في غزة، عبر تزويد المستشفيات بكمية من الدم، وتعقد هذه المؤسسات دورات للإرشاد النفسي والتعامل مع الأطفال في الظروف الصعبة الحرجة، وتقوم بتوعية الأمهات وأولياء الأمور للحد من الآثار النفسية السلبية، التي تؤثر على المجتمع وصحة الطفل والأفراد.
ويبرز في هذا المجال كذلك “برنامج غزة للصحة النفسية”، حيث يقدم خدمات علاجية إرشادية نفسية واجتماعية وصحية لأسر الشهداء والمصابين لمساعدتهم على التأقلم مع الإصابات والصدمات الحادة.
مما سبق عرضه عن طبيعة المؤسسات والأدوار التي اضطلعت بها والخدمات التي تقدمها خاصة في أيامنا هذه، يلاحظ وجود عدة مشكلات ونقص يعاني منها سكان المخيمات واللاجئين بصورة عامة في هذا القطاع “الصحة” تحتاج إلى التركيز عليها بشكل اكبر والعمل على حلها لضمان تقديم خدمات افضل للمواطنين في هذه الظروف العصيبة، وهذه المعيقات هي:
1- الازدحام الشديد من قبل المترددين على العيادات سواء”الحكومية، الوكالة، الخدمات الطبية” على مدار الساعة ، وهذا يعود لقلة عدد العيادات قياسا مع عدد السكان. وهو بدوره يؤثر في طبيعة الخدمات المقدمة.
2- نقص وافتقار بعض المناطق لمراكز الرعاية والمستشفيات، بالمقابل تمركز هذه المراكز والعيادات في وسط المدن والقرى، وعدم مراعاة التوزيع السكاني في المناطق، مما يحرم عدد من المواطنين من الاستفادة، ويجعل عملية التنقل ونقل المصابين في غاية الصعوبة.
3- نقص مستمر في الدواء، وغالبا ما يكون غياب تام للدواء في الصيدليات التابعة للمراكز والعيادات الحكومية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة، كالسكري، والضغط نظرا لعدم وجود ميزانيات كافية للوزارة، والوكالة والمؤسسات الأهلية لا تختلف كثيرا عن ذلك، مما يضطر المواطنين إلى شراء الدواء من الصيدليات الخاصة بأسعار باهظة، جنونية تفوق قدرتهم. وقد زاد الوضع السياسي الراهن من مشكلات توفر الدواء، وهي صعوبة تنقل العاملين في مصانع الدواء وعدم تمكنهم من وصول أماكن عملهم بسبب الإغلاقات القائمة. كما أدت هذه الإغلاقات إلى إعاقة تطعيم الأطفال بالأمصال التي يجب أن يتلقوها في مواعيد محددة مما قد يؤثر سلبا عليهم في المستقبل وإصابتهم بأمراض خطيرة.
4- انتشار وظهور العديد من الأمراض الصحية الناتجة عن تلوث مياه الشرب خاصة بعد تلوثها بالمياه العادمة التي أطلقتها إسرائيل. وتعاني مستشفيات القطاع أيضا من عدم القدرة على التعامل مع أصحاب الأمراض الصعبة مثل جراحات القلب، والأورام الخبيثة “السرطان” المخ، وغياب المعدات الطبية المتطورة اللازمة لذلك مما يضطر إلى تحويل المرضى إلى العلاج في الخارج بتكاليف باهظة.
5- عدم وجود مختبرات وأجهزة قادرة على تحليل الغازات السامة التي يستخدمها الإسرائيليون مما يؤدي إلى الجهل بطريقة التعامل مع الأشخاص الذين يتعرضون لهذه الغازات، كما حدث في مدينة ومخيم خانيونس، في شهر فبراير عام 2001 ، حيث ظل الأطباء ولا زالوا عاجزين عن معرفة العلاج الذي ينبغي تقديمه للمصابين، وأعطيت لهم مواد مهدئة فقط(120).

       وعلى الرغم من المعونات العينية والمادية التي تلقاها القطاع الصحي من العديد من الدول الأجنبية والعربية خاصة التي تمثلت في سيارات الإسعاف وشحنات الأدوية، والوفود الطبية واستقبال الجرحى في تلك الدول، إلا أن هذا القطاع يحتاج إلى إمكانيات مادية وبشرية كبيرة، وضرورة إعادة النظر في أدائه وتزويده بكافة المتطلبات اللازمة والضرورية كي يقوم بدوره في ظل هذه الأوضاع المعقدة، ومستقبلا بشكل يضمن توفير العناية لجميع المواطنين على اختلافاتهم واختلاف حاجاتهم.

الأوضاع الاقتصادية:
الأوضاع الاقتصادية لبلد ما ، تشكل الأساس الموضوعي الذي يتحكم بأوضاعه السياسية والاجتماعية والسكانية..الخ، وأن أية محاولة لقراءة هذه الأمور، وفهمها هي أولا وبالدرجة الأساسية قراءة وفهم للأوضاع الاقتصادية.
وحين يستعصي علينا فهم ظاهرة ما، فإننا نجد تفسيرا لها في الأوضاع الاقتصادية، ويوما بعد يوم، تتأكد وجهة النظر القائلة بان السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد. فالبحث في السياسة، بالدرجة الأولى، يجب أن يكون بحثا في الاقتصاد. تقول هذا، ونحن لا نفتقد الأدلة المؤكدة سواء القريب منها أم البعيد(121).
وغني عن البيان، أن الاقتصاد الفلسطيني عموما عانى طوال العقود الماضية في ظل الاحتلال الإسرائيلي أقسى صور الركود والتآكل، فقد عملت سلطات الاحتلال على فرض القيود والمعيقات التي أدت إلى بناء تشوهات وإختلالات هيكلية في الاقتصاد. وأدى الإهمال المتعمد من الإدارة المدنية للمناطق الفلسطينية إلى إهتراء شديد في البنية الداخلية التي تعتبر الركيزة الأساسية للنشاط الاقتصادي وازدهاره. مما أدى بدوره إلى حدوث اكتظاظات مالية حادة في الهيئات والمؤسسات والأنشطة، وفرضت سلطات الاحتلال مجموعة من الرسوم والضرائب التي أرهقت الشركات والمصانع، وأثقلت كاهل المواطنين، وأحبطت مشاريعهم الإنتاجية، وتضاءلت كافة الخدمات، وبررت هذا بعدم كفاية المخصصات المالية نظرا لتهرب المواطنين من دفع الضرائب(122).

يمكننا القول بأنه، من خلال ما سبق عرضه عن اوضاع اللاجئين المختلفة، قد ارتسمت ملامح مشهد لمعاناة المخيمات، بيد انه واستكمالا لما أشير إليه، يفترض الحديث عن النشاط الاقتصادي لابناء المخيمات في القطاع، وهو نشاط من الصعب تناوله بانفصال تام عن النشاط الاقتصادي للقطاع بشكل عام، ولما كان هذا أمرا غير متيسر في هذا المقام، فإننا سنكتفي بتسجيل ملاحظات سريعة، نظرا لإمكانيات القطاع المحدودة بالأساس اقتصاديا، وهي إمكانيات تضاءلت مع الزيادة العالية في عدد السكان، وخطوات تدمير الاقتصاد المنهجية التي عمدت إليها سلطات الاحتلال منذ عام 1967. ومع ذلك، فليس من قبيل المبالغة القول بان لابناء مخيمات اللاجئين في القطاع حصة من معاناة إضافية، حتى قبل خضوع القطاع للاحتلال في عام 1967م، ففي عام 1960

       كانت البطالة في صفوف اللاجئين قد طالت 83% من مجموع قوة العمل(123). راهنا، يتركز الجزء الأساسي من قوة العمل، في نشاطات بالمشاريع الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث يشكل القطاع مستودعا للأيدي العاملة .

      ويتركز عمال القطاع (جلهم من اللاجئين) في إسرائيل، في الأعمال والوظائف الدنيا التي لا تحتاج إلى مهارات خاصة، الأعمال الموسمية المؤقتة في الزراعة والبناء والتشييد، وتم استقطاب أغلبية هؤلاء العمال من بين صفوف العاطلين عن العمل أو الذين لا يحصلون على قدر كاف من استخدام في قطاع الزراعة المحلية. فلما كان نشاط البناء والتشييد في إسرائيل هو الرئيسي، وجد العديد من عمال القطاع أن المصلحة تقتضي اكتساب المهارات الأساسية التي تؤهلهم للانخراط في ذلك النشاط(125). وهذا بالضرورة لا يعني عدم وجود عمال مهرة يعملون في بعض الورش والأنشطة الاقتصادية البسيطة داخل القطاع، أو في المصانع التي تقوم بالعمليات النهائية لبعض الصناعات الإسرائيلية وتحديدا، قطاع النسيج ، وقد أقام العديد خريجي معهد التدريب المهني ورشا خاصة بهم في داخل القطاع وخارج المخيمات.

       ويبقى الحديث بأنه لا يمكن الحديث عن صناعة بالمعنى الكامل للكلمة في قطاع غزة عموما، ولذلك فان النشاط يتوزع ما بين الزراعة، والعمل في الأراضي المحتلة عام 1948، وبعض الورش الصناعية في القطاع، وتصل إلى نتيجة مفادها وجود نسبة بطالة مرتفعة، تتزايد بتزايد الأعداد التي تدخل  الى سوق العمل نتاج لمجموعة من الظروف المتشابكة(لتحول الفلاحين الذين يفقدون أراضيهم إلى عمال ، هجرة الأرض بسبب سياسة التضييق الإسرائيلي على الزراعة، وندرة المياه، الخ.

       نستطيع أن نفهم بوضوح أن هناك معضلة اقتصادية في الأراضي الفلسطينية عموما ومخيمات قطاع غزة خصوصا، فالقيود التي فرضت على حرية الحركة والتنقل عند توقيع اتفاقية أوسلو، فصلت بشكل مطلق قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأيضا فان الإغلاق التام المحكم على سكان الضفة الغربية والقطاع والتحكم في حرية الحركة بشكل كامل منذ العام 1993 أدى إلى فصل تام بين المجتمع الفلسطيني. هذا العزل وهذا التراجع في الأوضاع المعيشية ترافق مع تراجع في الخدمات المحلية وأدى إلى انخفاض أسعار المنتجات المحلية، هذا طبعا إلى جانب الانخفاض الحاد في دخل العائلة، وضعف وقلة فرص العمل ، أما بالنسبة إلى تصاريح العبور التي يصدرها الاحتلال الإسرائيلي فتعتبر امتياز يتمتع به القليل، القليل من العمال الغزيين (أغلبيتهم من اللاجئين) . وبقيت إسرائيل تسيطر على حرية الحركة والتنقل حتى بعد فتح الممر الآمن ما بين قطاع غزة وترقوميا “الخليل” فهي الجهة الوحيدة التي تصدر تصاريح المرور لمن تريد وتمنعها عمن تريد. هذه القيود أفرزت الكثير من الأوضاع الاقتصادية الصعبة بسبب عدم سهولة تنقل البضائع والمنتجات من والى غزة وأدت إلى زيادة نسبة البطالة بين السكان.

       على أي حال لقد صاحب قيام السلطة الوطنية، من تدفق رؤوس أموال فلسطينية، والإنفاق على بناء المؤسسات العامة، تشاط ايجابي انعكس هذا النشاط بصورة رئيسية في قطاعي البناء والمال، فقد شهد قطاع المال انتعاشا اثر عودة المصارف الفلسطينية والعربية والأجنبية إلى افتتاح فروعها في الأراضي الفلسطينية، بعد أن كانت ممنوعة من العمل إبان الاحتلال، كما صاحب هذا عودة ودائع فلسطينية كان أصحابها يحتفظون بها في مصارف خارجية(126). وان الالتزامات المالية والاقتصادية تلعب دورا كبيرا في اختيار البناء والتخطيط الأسرى والبطالة لا زالت مرتفعة بشكل خطير على طول قطاع غزة والتي وصلت إلى 20.1% في النصف الأول من العام 1999م، بسبب القيود المفروضة على الحركة والتنقل، وهي ضعف نسبة البطالة، في الضفة الغربية، هذا إلى جانب الصعوبات الإضافية بسبب قلة الأراضي الصالحة للزراعة، وكذلك تلك التي ترهن كضمان من اجل الحصول على قروض زراعية، وليس بالأمر الغريب أن تكون هناك أسرة ممتدة تعتمد على دخل واحد أو اثنين من أبنائها فقط، وهناك العديد من الأسر النووية حيث تتكون من خمسة إلى ستة أفراد يعيشون من بمبلغ يتراوح بين 400 إلى 500 شيكل أي ما يعادل (110-115) $ في الشهر، ويبلغ معدل الرواتب الشهرية في القطاع حوالي 1.000 شيكل وحوالي 1.700 شيكل للعاملين في وظائف حكومية متوسطة، وهي اقل بحوالي 30% من الأجور اليومية للعمالة في داخل إسرائيل(127)، ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى، وجراء الإجراءات الإسرائيلية، متمثلة بالإغلاق الشامل لمناطق السلطة الوطنية والحصار المضروب على معظم المدن الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض، تكبدت مختلف القطاعات الاقتصادية الخاصة والعامة التابعة لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بما فيها المخيمات والتي تقاسي وتعاني اشد المعاناة قاطبة، خسائر فادحة في الأنفس، والممتلكات، مما جعل الاقتصاد الفلسطيني يواجه ظروفا صعبة لم يسبق لها مثيل، حيث الحصار الشامل لكل من القطاع والضفة الغربية وتم فيه إغلاق المنافذ الخارجية بين القطاع والعالم الخارجي وإسرائيل خاصة. ومع استمرار إغلاق قطاع غزة حتى يومنا هذا فان الوضع الاقتصادي انحدر بشكل خطر في غضون السنة الأخيرة، وقد بلغت نسبة البطالة إلى حوالي 67% في قطاع غزة و 87% في الضفة وفق وكالة الانباء الفلسطينية وفا/عن وزارة العمل الفلسطينية في 2/7/2002. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظات الوطن، والحرب الشاملة على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، عمق الخلل في البيئة الهيكلية للاقتصاد الوطني الفلسطيني ، وكشفت عمق ارتباطه وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي يبدو هذا واضحا في الشلل التام الذي أصاب مختلف المرافق الاقتصادية والخسائر الفادحة التي لحقت بكافة قطاعات الاقتصاد وأنشطته، نتيجة للحصار والقيود التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من بداية انتفاضة الحرم، وقد بلغت حتى إعداد هذا العمل ما يزيد على 875 مليون دولار أمريكي، كما صرح وزير المالية السيد محمد النشاشيبي(128) وقد شملت هذه الخسائر جميع القطاعات الاقتصادية: الإنتاجية، العمالة، الخدمات، البناء والتشييد والعمارة، الزراعة، الصناعة، السياحة، والتعليم…الخ.، علاوة على الأضرار التي لحقت بقطاع البنية التحتية،  وبالتالي على الجهات والوزارات المعنية والقائمين على السلطة، استخلاص العبر من الأحداث الماضية، والجارية وتحديد نقاط الضعف والثغرات، والعمل على وضع حلول مناسبة لها، وسد الفجوات، ومن خلال وضع خطة طوارئ مستقبلية وتصور عام لكافة القطاعات حتى لا يتعرض الاقتصاد الفلسطيني، ويستفحل الأمر، مما ينذر بأزمات خطيرة مستقبلا، كما هو الحال الآن، وحتى لا يبقى رهينة للسياسات والممارسات والرحمة الإسرائيلية!!
ختاما، نعتقد أن البحث في هذا الجانب، والجوانب الأخرى، بحاجة إلى استيفاء ربما وفرته دراسات تتخصص بها تحديدا، إضافة إلى دراسة المشكلات الاجتماعية، والسكانية داخل المخيمات عموما.

المصدر: مركز المعلومات الوطني الفلسطيني

 

التعليقات مغلقة.